احتفلت أرميدا تشاغوفا، شخصية العامة المعروفة في جمهورية قرتشاي- تشركيسيا وإقليم ستافروبول 65 عاماً من عمرها في 8 آب/أغسطس، وبهذه المناسبة أعدت بوابة المعلومات التابعة للمؤتمر العالمي للشعب الأبخازي-الأباظة مقالاً عن مسار حياتها المثير للاهتمام، وعملها الاجتماعي، وخططها وأحلامها.

ليودميلا أيسانوفا

أرميدا خيزيروفنا تشاغوفا (الكنية قبل الزواج كانت بسخو، وذلك لانتمائها لقرية بسخو الأبخازية الجبلية –اضافة المحرر)، رئيسة المجلس الإقليمي للمنظمة الشعبية -الثقافية "أباظة" المختصة في ستافروبول، وعضو المجلس الأعلى للمؤتمر العالمي للشعب الأبخازي-الأباظة، وقد لدت في 8 آب عام 1954 في واحدة من أجمل الزوايا الجبلية في أبخازيا في قرية بسخو.

طاقة وقوة بسخو

" الأبازين الأشخار من بسخو" – هكذا لقَّب السكان المحليين أسرتهم، الذين عاشوا هناك لعدة أجيال.

تروي أرميدا تشاغوفا تاريخ أسلافها: "في العصور القديمة، صادف أحد شباب الأسرة أثناء الصيد ابن أمير محلي، الذي بدأ لأسباب مجهولة بالتصرف بشكل غير لائق تجاه الشاب، مما أدى إلى شجار انتهى إلى إراقة الدماء. ولمنع العداء الدموي والمواجهة، قرر الشيوخ مغادرة الأراضي الواقعة في موقع إقليم كراسنودار حالياً (أراضي الشركس – المحرر) إلى أبخازيا والاستيطان في قرية بسخو". 

 وهكذا ظهر اسم العائلة الحديث، ووفقاً للروايات الأسرية، فإن أصول نسلهم تنحدر من عائلة شيريميتوف.

والد أرميدا، خيزير زكيريّفيتش بسخو، كان رجلاً محترماً في المقاطعة، وتميز بالتفاني والشجاعة، وهذا ما تأكد في أهم فترات حياته. فقد شارك في الحرب الوطنية العظمى 1941-1945، وحصل على العديد من الأوسمة. سكان قرية بسخو القدامى مازالوا يتذكرونه كرجل محترم وصادق مع شعور عظيم بالكرامة الوطنية.

وتؤكد تشاغوغا: "لقد أحببت والدي كثيراً، كان كل شيء بالنسبة لي".

ووالدتها من السكان الأبازين من قرية إينجيتش-تشوكون في جمهورية قراتشاي- تشيركسيا، صوفيا سولمانوفنا دجيندوبايفا –كانت طبيبة أسنان. وقد التقت بوالد أرميدا في إحدى الرحلات إلى أبخازيا لزيارة أقاربها.

كانت ابنتهما في الخامسة من عمرها فقط عندما اضطرت العائلة لمغادرة بسخو والانتقال إلى منطقة غوداؤوتا، ثم انتقلوا إلى تشيركيسك. الأمر هو، أنه خلال فترة عمله في واحدة من البعثات الاستكشافية-الجيولوجية، التي تقع في بسخو، حصل لخيزير بسخو حادث: أثناء تفجير الصخور وعن غير قصد أصيب وعميَّ تماماً، مما كانت مأساة لجميع أفراد الأسرة ونقطة تحول في حياتهم.

وتتذكر أرميدا تشاغوفا: "على الرغم من ذلك، ظل شخصاً مبتهجاً ونشيطاً مع قوة إرادة عظيمة وشخصية قوية في حياته"، وتضيف بفخر: "إنها طاقة وقوة بسخو الموجودة".

وتؤكد أرميدا، أنها تشعر بهذه الطاقة والقوة بنفسها طوال حياتها.

لقاء مصيري مع آدم داغوجييف

بعد أن تخرجت بنجاح من المدرسة رقم 9 في مدينة تشيركيسك، دخلت أرميدا تشاغوفا في عام 1971 معهد بيتيغورسك للغات الأجنبية. ثم كرسَّت لمهنة التدريس 15 عاماً، الأمر الذي ساعدها لاحقا في الاعمال الاجتماعية مع الشباب.

وتتذكر تشاغوفا: "في المدرسة، أحببت اللغة الإنجليزية، حلمت بإتقانها بطلاقة والسفر حول العالم، ولذلك اخترت هذه المهنة". 

كانت حياة الطلاب مثيرة للاهتمام وغنية. الفتاة حاولت أن تدرس جيداً. وفي ذلك الوقت، كَكُل أقرانها، حلمت بحياة سعيدة، مهنة ناجحة، وبالطبع، الحب… 

بعد الجامعة عملت أرميدا كمُنظمة في إحدى المدارس الثانوية في تشيركيسك. وفي هذا الوقت، كان قد أصبحت أم لابنها البالغ من العمر سبعة أعوام، إسمه ديميس، وعندها أتيحت لها فرصة اللقاء المصيري مع آدم داغوجيف، الذي أشتهر في ذلك الوقت على أنه ممثل بارز في "النخبة الأبازينية"، وهو من سكان قرية الأباظة كوبينا.

وكان آدم داغوجيف في أوقات مختلفة يشغل مناصب مسؤولة في الحكومة والحزب في جمهورية قراتشاي-تشيركسيا وإقليم ستافروبول، وكان يعتبر رجلا وطنياً عظيماً بالنسبة لشعبه.

وتتذكر أرميدا: "النشاطات لصالح شعب الأباظة كانت هدف حياته، لقد فعل كل ما في وسعه للحفاظ على الشعب وتنميته، لم يستطيع أن يبقى غير مبال تجاه شعبه، وأنا فعلت كل ما في وسعي لدعم زوجي".

ورزقا بابنين رائعين، وهما أيوب –سميَّ تيمناً باسم جده، وشاخامبي، الذي سميَّ تكريماً لصديق مقرب لآدم –شاخامبي خورانوف.

آدم داغوجيّف أحب أبنائه من زواجه الأول كذلك، أنجيلا وأصلان، وحاول جاهداً جداً أن يتواصل معهم دون التمييز بين أيٍ واحد من أبنائه.

خلال فترة إعادة الإعمار في الاتحاد السوفيتي، كالعديد من الأشخاص الموهوبين والمغامرين، غيَّر داغوجييف مجال نشاطه، فنظَّم عمل ناجح ومربح في مدينة ستافروبول. وقامت أرميدا بمساعدته بنشاط في عمله، وأصبحت شريكته غير الرسمية في العمل.

لقد كان آدم داغوجييف أحد أكبر فاعلي الخير في ذلك الوقت. وقدم المساعدة المالية في إحياء وتنمية الثقافة العرقية لشعب الأباظة، ومن ثم الأبخاز. حيث ساعد الشعب الأبخازي كثيراً خلال الحرب الوطنية في الفترة 1992-1993.

لسوء الحظ، على ما يبدو، وكما شاءت الأقدار، كانت حياة آدم لامعة، لكن قصيرة. لقد آدم كان مريضاً جداً، ومستلقي في غرفة المستشفى، وقبل فترة وجيزة من وفاته، ناقش هو وزوجته المشروع الأخير لداغوجييف وهو: افتتاح نصب تذكاري للمشاركين في الحرب الوطنية العظمى، من أهالي قرية كوبينا.

 دار هذا النقاش في نهاية شهر أبريل/نيسان، وكان من المقرر أن يقام الافتتاح في 9 من مايو/ أيار، وكان آدم قلقاً جداً ما إذا كان سيكون هناك وقت كاف لإعداد كل شيء. النصب التذكاري، بنيَّ على حسابه، لكن افتتح بدونه، بعد تسعة أيام فقط من وفاته.

 وأردفت أرميدا بحزن: "ألحَّ بطلبه مني، كي لا ينسى الأبناء اللغة الأبازينية، والاستمرار بتكلمها".


 الأباظة في ستافروبول

وأعادت تشاغوفا إلى الأذهان أحد الحوادث: "أما الأبناء... في إحدى الأيام المعتادة، وبعد أن عادوا من النزهة، أخبروا والدتي أن أقرانهم في الساحة يسألونهم عن أصلهم، فأجابوهم بصوت واحد وبفخر: "نحن أباظة". لكن على السؤال "من هم الأباظة؟"، ترددوا، ولم يستعطوا الإجابة.

فأضافت أرميدا: "حينها تحديدا،ً قررت بنفسي أن أكمل عمل والدهم. لكي َيُسمع صوت الأباظة، ويعلم الجميع عن ثقافتنا".

بعد وفاة زوجها...... قررت ألا تُركز على حزنها وتتقبل فقدان تشاغوف بمساعدة المقربين لآدم. وكانوا من زملاء العمل ورفاق السلاح والأصدقاء، وهم أشخاص مشهورين، ممن قدموا إسهاماً كبيراً في تنمية العديد من قطاعات الاقتصاد والعلم والتعليم والثقافة الذين يعيشون في ستافروبول.

وتذكرهم أرميدا تشاغوفا بامتنان بالاسم: تشاغبان إيونوف، وفلاديمير كورتشيف، ورؤوف كاديجيف، وبيتر تشيكالوف، وإينال كابلاخوف، والعديد من الآخرين. وجميعهم وقفوا على أصول المنظمة الأبازينية العامة في إقليم ستافروبول، وبذلوا جهداً كبيراً لضمان أن يعيش الأبازين في ستافروبول بمكانٍ جدير في اللوحة المتعددة الجنسيات في المنطقة.

وفي عام 1997، سجلت مجموعة من المبادرين من الأبازين بمركز ستافروبول الثقافي "أباظة"، الذي انتخب رئيسه العامل المشرف في الثقافة في الاتحاد الروسي فلاديمير كورتشيف. وكانت النائبه أرميدا تشاغوفا. الآن كان عليها أن تجمع بين العمل والعمل الإجتماعي.

وخلال وقت قصير، غدت المنظمة مشاركة اجتماعياً وبنشاط في الأحداث الهامة في المنطقة، واستطاعت تدريجياً جمع الناس حولها بالأفكار والتطلعات في الحفاظ على لغة وثقافة المجموعة العرقية الأبازينية، وبجهود المنظمة افتتحت لأول مرة مدرسة للغة الأبازينية، وهي تعمل بنجاح حتى يومنا هذا.

وتقول تشاغوفا: "لقد كان أبنائي من أوائل طلاب المعلمة أنفيسا بيتوفا".

وقد أصبحت أنشطة المنظمة تدريجياً متعددة الأوجه وأكثر فعالية وأكثر توجها نحو الشباب. ونفذت مشاريع اجتماعية واسعة النطاق وتضمنت برامج تعليمية وثقافية، وعقدت منتديات ومهرجانات للشباب. وتمكنت إدارة المنظمة من توحيد صفوفها بين جميع الطلاب من شباب الأبازين الذين يدرسون في ستافروبول.

"صوتنا مسموع، ونحظى بدعم " 

في عام 2012، تقرر توحيد المراكز الثقافية لمنطقة ستافروبول و مدينة مينيرالني فودي القوقازية. وأنشئت المنظمة الإقليمية العامة للإستقلال الذاتي الشعبي- الثقافي للأبازين في منطقة ستافروبول "أباظة"، التي تضم نحو 4.5 ألف أبازيني، الذين يعيشون في إقليم ستافروبول. وانتخبت أرميدا تشاغوفا رئيسة بالإجماع.

هذا ويتوسع مجال نشاط المنظمة افتراضيا، ويبدأ الناشطون في الانخراط فيها أكثر فأكثر.

وتصف تشاغوفا نشاط المنظمة على النحو التالي: "هناك هدف يتمثل في الحفاظ على لغة شعبنا وثقافته وعاداته – وهو أفضل ما تم تطويره على مر القرون. واليوم نحاول أن نتأكد من أن شبابنا لن ينسوا تقاليد أجدادهم. من أجل دخول الشباب المشترك في مساحة كافية تمثل الشعب، فالشباب الأبازين من جهة، حافظوا على الهوية، ومن ناحية أخرى، استخدموا الوظائف الحديثة للأشخاص بشكل صحيح. وهذه مسائل تتعلق بالتعليم والأخلاق وما هو أكثر من ذلك بكثير".

المنظمة لفترة طويلة أصبحت شعبية بين الثقافات المحلية للجنسيات المختلفة التي تعيش في منطقة ستافروبول، والتي كانت تعقد الأحداث الثقافية المشتركة. أرميدا تشاغوفا – كانت عضوا في المجلس العرقي التابع لمحافظة ستافروبول، وعضو في المجلس العام التابع للجنة القومية والقزق.

وتقول تشاغوفا "كل ذلك كان يلزمنا، وكذلك يعطي لنا الفرصة لتطوير الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ويعطي الفرصة للمشاركة في مسابقات المنح واستخدام الأموال الإضافية في الأغراض القانونية، لقد أصغوا إلينا، ودعمونا".

انتخبت أرميدا تشاغوفا في العام 2018 إلى المجلس الأعلى التابع للمؤتمر العالمي لشعب الأباظة، حيث تعمل بنجاح مستمر على الحفاظ على الهوية الوطنية الأبازينية وترسيخ ممثلي شعب الأبازين في جميع أنحاء العالم.

الأحلام تتحقق

من خلال مشاهدة أنشطة هذه المرأة النشيطة لسنوات عديدة، نكتشف المزيد عن نظرتها للحياة، وسلوكها، وقد فاجأتنا بالعديد من الجوانب غير العادية لشخصيتها. الروح، والتفاني، والمرونة في حل المشاكل، ومهارات التواصل، والصداقة.. والقائمة تستمر، وفي الوقت نفسه، كونها قائدة مع صفات تجارية ممتازة، أرميدا هي شخص عاطفي جداً ولطيف، وهي صبورة جداً مع الناس.

وتستمد قوتها كذلك من عائلتها الكبيرة والودودة، ولأكثر من 15 عاماً تعيش مع زوجها، فازيدين تشاغوف، العقيد المتقاعد في وزارة الداخلية الروسية، الذي يدعمها في كل شيء.

وتقول أرميدا: "بفضله، نشأ جميع أطفالي في أفضل التقاليد الوطنية لشعب الأبازين. نحن نعيش حياة غنية بالأحداث ومثيرة للاهتمام، ونسافر كثيراً" وهي سعيدة لأن أبنائها قد نجحوا في استقلالهم وتفانيهم.

وفي نهاية حديثنا، أرميدا تشاركنا مشروع آخر –الحلم الذي تريد تنفيذه في المستقبل القريب: أن تسافر إلى أبخازيا على متن طائرة خاصة، وتشاهد بسخو كما تشاهدها الطيور التي ترفرف عالياً.

وعلى الرغم من أن أرميدا عاشت على الأراضي الأبخازية لفترة قصيرة، لكن صلتها مع الوطن لم تنقطع أبداً: أرميدا والرهبة تعتليها، تدعوا لأجل أبخازيا. وتحلم في الذكرى السنوية القادمة برؤية أبخازيا بلداً أكثر جمالاً وتقدماً، وأن تزور موانئ أبخازيا سفن عديدة، لتمتلئ سطوحها بأشخاص أنيقين وسعداء، وتُسمع أصوات الموسيقى من المقاهي الساحلية. تماماً كما، وصفت والدة الراحلة، سوخوم، للفتاة ذات الخمسة أعوام، وهذه الصورة كانت محفورة دائما في ذاكرتها.

وفي الختام، أتمنى لأرميدا تشاغوفا سنوات طويلة وسعيدة ومثمرة من الحياة والرفاه العائلي. وأن تتحقق كل أحلامها، بما في ذلك هذا الحلم الجميل منذ الطفولة!