في الرابع عشر من أيلول، محمد حجي- بيكيروفيتش كيشماخوف، الشخصية الأبازينية الشهيرة سيبلغ من العمر الـ 70 عاماً. أعدت بوابة المعلومات التابعة للمؤتمر العالمي للشعب الأبخازي-الأباظة مقالاً بهذه المناسبة

غيورغي تشيكالوف

محمد حجي- بيكيروفيتش كيشماخوف أبازيني تحدر أصوله من عشيرة الأوبيخ. وقد اكتشف كيشماخوف شخصياً الكثير عن هذا النسل: بكونه إنسان يتميز بتعدد المواهب والفضول تجاه كل شيء، لم يكن من الممكن ألا يهتم بتاريخ عائلته. وعلاوة على ذلك، فإن أحد الأنشطة العديدة في حياته هو النشاط العلمي، الذي كرسه أساساً لدراسة شعبه.

العائلة "السعيدة"

تعود أصول نسل كيشماخوف إلى الأوبيخ من العائلة الأميرية بيرزيك (بيرزيغ). وقد اكتشف هذه الحقيقة محمد كيشماخوف بنفسه عندما بدأ في التسعينات من القرن الماضي باشرالعمل على تجميع عائلة كيشماخوف. وقبل أن يجمع الأقارب، قام محمد حجي-بيكيروفيتش بدراسة تاريخية شاملة حول ظهورعائلة كيشماخوف وما تلا ذلك من توطين لأفرادها، وإقامة علاقات مع الإخوة في أبخازيا، والذين يحملون إسم عائلة كيشماريا.

وقد فتنه هذا العمل كثيرا لدرجة أنه كتب كتاباً كاملاً على أساس بحثه بعنوان "عائلة من الوادي المقدس لعشيرة الأوبيخ". وأكثر من ذلك: لقد دافع عن أطروحة الدكتوراه، ونشر عدة كتب عن تاريخ الأوبيخ.

وبحسب القصص المتوارثة التي وصلت لأيامنا، عندما توفي آخر رجل من الأمراء برزيك، ترك أرملته الحامل. وصديق الأمير، إبن أحد الخانات، قال: "من يجلب لي خبرا بأن زوجة بيرزيك قد ولدت صبياً، سأهديه حصانا مع سرجه". وعندما ولد الإبن الذي طال انتظاره، قال الخان ببهجة: "كيش ماخو!" التي تترجم من اللغة الأم بمعنى: " ليكون هذا اليوم جالباً للسعادة!" هذه الكلمات شكلت اسم العائلة التي حملته عائلة كيشماخوف بشرف و لعدة قرون.

يفتخر محمد كيشماخوف بالعديد من أجداده. أحدهم هو – باتوكو يوسوبوفيتش، عقيد ملازم بالجيش الروسي، خريج فيلق بافلوفسكي العسكري. شارك باتوك كيشماخوف في حرب البلقان عام (1828-1829) وفي الحرب البولندية لعام (1835) وفي حملات القوات الروسية، و بعد صراعات الأبازين و الشركس مع الروس ذهب إلى مقر قوات الجناح الأيمن القوقازي في قرية بروتشني أوكوب، ودافع عن مصالح سكان المرتفعات أمام قائد القوات الروسية ثم قُتل على يد جنود مسلحين اقتحموا منزله ليلا.

وقد درَّس ابن أخ باتاكو كيشماخوف باتوري أصلان- غيرييفيتش في مدرسة ستافروبول وفعل الكثير لتعليم أقاربه. وكان أحد تلاميذه حجي بيكير- كيشماخوف، والد محمد.

طفولة محمد كيشماخوف

والد محمد هو حجي - بيكير زولكارنايفيتش، ولد في قرية دوداروقوة ( الآن قرية بسيج –اضافة المحرر ) وعمل هناك كمعلم بعد تخرجه من المدرسة الثانوية. وفي العام 1949، ثم أرسل إلى قرية كارا - باغو. محمد ولد هناك وكان الطفل الثاني في أسرة لديها العديد من الأطفال: حيث كان لدى محمد خمس أخوات وثلاثة أخوة. الأخت الكبرى والأخوين توفيا في طفولتهما.

التحق بالمدرسة في قرية بسيج، حيث عادت الأسرة في العام 1955، ثم في الصف الخامس تم نقله إلى تشركيسك، في المدرسة الداخلية الوطنية. درس في نفس الصف مع الشاعر الأبازيني المستقبلي كريم مختسه وعاش معه في نفس الغرفة. محمد نفسه كان أكثر انجذاباً للعلوم الطبيعية، وكان مولعا بتقنية الإتصالات و الراديو . كما مارس الملاكمة والرقص الوطني.

ويقول محمد حجي-بيكيروفيتش: "كنت ذاهباً بعد المدرسة الداخلية، للإتحاق بمعهد تاغانروغ للتكنولوجيا، ولكن تدخل في هذه الخطط بوريس سوبويف (سوبويف بوريس الكسندروفيتش، فنان روسيا المكرم، والمغني في فرقة "آلان" – اضافة المحرر)، والذي كان يشرف على فرقة مدرستنا. وقال انه سوف يسعى من أجلي وللعديد من زملائي مثل كاخار إريجيفا وسلطان إدييف للإلتحاق بمعهد غورسكي الزراعي، وهكذا ذهبنا الى أورد جونكيدزة (الآن –فلاديكافكاز –اضافة المحرر.)".

الدراسة، والملاكمة، والرقص 

الوعد الذي "تم إعطاؤه" كان مبالغ فيه بعض الشيء: ففي المعهد كان على الأصدقاء أن يفعلوا كل شيء بأنفسهم، من أجل التعلم، وإكتساب المعارف في المدرسة الداخلية، وهو ما كان مسموحٌ به.

وتابع محمد حجي كيشماخوف: "أتذكر امتحان القبول في الكيمياء وكأنه اليوم، إستقبلته سيدة، وهي دكتورة بعلوم الكيمياء، التي كان يهابها جميع الطلاب. ثم سحبت ورقة الأسئلة، نظرت إليها وتطوعت للإجابة بدون تحضير – فالمواضيع كانت مألوفة بالنسبة لي. وأجبت عليها. عميد كلية، الذي كان حاضراً في الامتحان، جلس معنا بعد ذلك، وبدأ بالتساؤل من أنا ومن أين أتيت، و بعد أن أجبت على الأسئلة الإضافية، أصر على أن أُعطى العلامة الكاملة (5)".  

في المعهد واصل كيشماخوف الملاكمة والرقص –وحقق نجاحاً كبيراً. في عام 1969 تفوق في " (الجمعية الرياضية الطوعية التي توحد الطلاب مع مؤسسات التعليم العالي في الاتحاد السوفياتي –اضافة المحرر) وحائز على الميدالية الفضية، انتقل من مرشح الى محترف رياضي على مستوى الاتحاد السوفياتي.

وفي فرقة الرقص الشعبية "جيغيت" الذي ظهر فيها محمد مع كاخار إريجييف و سلطان إدييف في عام 1969 و 1971 أصبح الفائز الأول والثاني في المهرجانات الدولية للرقصات الشعبية التي أقيمت في بولندا والمجر.

وكل هذا لم يمنع الطالب من أن يدرس جيدا وأن يتقن مهنة كعالم زراعي، حيث حصل على الدبلوم في عام 1972.

بعد سنوات دراساته الجامعية: المزرعة التعاونية والجيش   

تم تعيين محمد في منطقة ستافروبول، ولكن لم يكن هناك أي وظائف زراعية شاغرة، فعاد إلى قريته بسيج. ودعي إلى المزرعة التعاونية، لكنهم لم يتمكنوا من تقديم له إلا وظيفة في المختبر بمرتب قدره 70 روبل.

ويتذكر محمد كيشماخوف قائلا: "بدا الراتب قليلاً بالنسبة لي: أخواتي وأخي الأصغر كانا في رعايتي. قلت أنني سأفكر في الأمر حتى الغد و عدت إلى المنزل، والدي أخبراني آنذاك، أنه قد حضر للقائي رئيس المزرعة التعاونية "كوبان" والمهندس الزراعي الأول، وطلبوا مني بشدة الحضور في الصباح للقائهم. في اليوم التالي ذهبت إليهم و تم تعييني كمهندس زراعي للفرقة الثانية براتب 120 روبل، وتم تسليمي البيوت الزراعية، التي كانت متواجدة في القرية المجاورة سادوف، مع إضافة تبلغ نصف الراتب. 180 روبل في ذلك الوقت كان راتباً جيداً، فوافقت".

وكانت مزرعة كوبان التعاونية واحدة من أفضل المزارع في قراتشاي-تشيركيسيا، وكان الشاب المتخصص لديه معرفة متقدمة في مكانه. ولكن سرعان ما اضطر الى التوقف عن عمله الذي بدأه للتو: ففي العام 1974 تم استدعاءه للخدمة العسكرية.

تم فرزه الى منطقة لينينغراد العسكرية، في قوات الدبابات كقائد فرقة برتبة رقيب أول، وقائد فصيلة في وقت لاحق. وهو يتذكر سنوات الخدمة في الجيش، وتحديداً، أيام الإجازة النادرة التي كان يجتمع فيها مع إبن قريته مراد يريجيف – وهو شقيق صديقه في المدرسة والكلية كاراخ. (مراد يريجيف– الممثل و المخرج السينمائي المعروف بأدواره في أفلام "الوحدات الخاصة الروسية " و فيلم "عميل في الأمن القومي"و "بطرسبرغ المشاغبة 2: المحامي" – اضافة المحرر).

في العمل الحزبي والحكومي   

وفي العام 1977، دعي محمد كيشماخوف إلى العمل الحزبي. ومنذ ذلك الوقت وحتى عام 1986، شغل مناصب مختلفة في الحزب، ثم عاد إلى العمل في المجمع الزراعي – بصفة جديدة.

والحقيقة أنه خلال إعادة الإعمار في الاتحاد السوفياتي (التغييرات الواسعة في الأيديولوجية الاقتصادية والسياسية في البلاد، بمبادرة من الأمين العام للحزب الشيوعي ميخائيل غورباتشوف و التي انتهت مع انهيار الاتحاد السوفياتي –اضافة المحرر) طرحت فكرة توحيد سلسلة إنتاج المنتجات بأكملها "من الحقل إلى المستهلك". ولهذا الغرض، بدأ في كل مكان بإنشاء رابطات زراعية-صناعية موَّحدة.

وفي العام 1986، عين محمد كيشماخوف رئيسا لجمعية أوست-دجيغوتينسكي للصناعات الزراعية. وفي نفس الوقت، شغل منصب النائب الأول لرئيس اللجنة التنفيذية لمقاطعة أوست-دجيغوتينسكي. وفي السنة التالية، التحق بدورات في الآليات الاقتصادية و التكنولوجيات الكثيفة في المدرسة الروسية العليا لإدارة الأعمال الزراعية في روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية في موسكو. وفي عام 1988، أصبحت الرابطة إدارة للمجمع الزراعي-الصناعي "قرتشاي-تشيركيسيا"، واستمر محمد حجي-بيكيروفيتش في رئاستها حتى حزيران عام 1989.

وبعد ذلك، عاد إلى العمل الحزبي: أولا كمدرب في اللجنة الإقليمية التابعة للحزب الشوعي السوفييتي، وبعد خمسة أشهر-السكرتير الثاني للجنة مقاطعة بريكوبانسكي. وفي عام 1990، التحق بمدرسة الاعداد الحزبي العالي في روستوف ودرس هناك لمدة سنتين... لكن الدراسة إنتهت فجأة.

فكما يعترف كيشماخوف: "خلال هذه الفترة كان هناك انتقاد شديد للحزب الشيوعي، ومن ثم حصلت على الدبلوم، مزقته ورميته بعيداً. و طلبوا مني مرارا الحصول على نسخة ثانية، لكني لم اغادر من اجله".  

جلب المنفعة للناس  

وأيا كان المنصب الذي شغله محمد كيشماخوف، فقد عمل دائما بضمير، وقد حصل مرارا على شهادات تكريم من المقاطعات والإدارات الإقليمية. وهو عامل مشرف في الخدمة المدنية في جمهورية قرتشاي-تشيركيسيا. ولكن بالنسبة له الأكثر قيمة كان دائما الضمير الصاف ومعرفة أن عمله يعود بالنفع على الناس.

وعندما بدأت الحرب في أبخازيا (الحرب الوطنية لشعب أبخازيا 1992-1993-اضافة المحرر) عمل كيشماخوف كرئيس لمقاطعة بريكوبانسك. وأصبح أحد منظمي المعونة الإنسانية للجمهورية الشقيقة ورافق قافلة البضائع الأولى.

ويتذكر قائلا: "حتى أنني أُصبت في ذلك الوقت – شن الطيران الجورجي غارة علينا، وبدأت الطائرات تقصفنا من السماء، وأصبت بشظية في بطني".  

كما التقى محمد حجي-بيكيروفيتش بفلاديسلاف أردزينبا خلال الحرب وبعدها، ولا يزال يحتفظ برمز الدولة الابخازية الذي قدمه له أول رئيس لأبخازيا .. وأهم الجوائز بالنسبة لكيشماخوف هو وسام "أخدز- أبشا" لجمهورية أبخازيا.

وفي سنوات بداية الألفية الجديدة، شغل منصب المدير التجاري في المؤسسة، ثم عاد إلى الخدمة الحكومية حيث عمل لمدة سبع سنوات كخبير متخصص في الدائرة الاتحادية للرقابة على الموارد الطبيعية في جمهورية قرتشاي-تشيركيسيا، ومُنح رتبة مساعد في الخدمة الحكومية في الاتحاد الروسي من الفئة الأولى.

ومع مراعاة تجربة محمد كيشماخوف وسلطته بين الأبازين، انتخب لمرتين – في عامي 2000 و 2007-رئيسا للحركة الاجتماعية-السياسية "أباظة "(الآن –المنظمة الشعبية "أباظة " –اضافة المحرر).

وفي حديث عن أنشطته العامة، يقول محمد كيشماخوف: "لقد قمنا بإدخال تقليدا جيدا –لتكريم شخصياتنا المشهورة (من الأبازين –اضافة المحرر) الذين فعلوا الكثير لشعبنا، والقيام بذلك خلال حياتهم وأول شخص احتفلنا به أثناء منصبي كرئيس للمنظمة العامة، كان كريم مختسه. وكان عمره يناهز الـ 50 عاماً في عام 1999، ولكن تنظيم حفلته كحفلة ادبية لم تنجح بأي شكلمن الاشكال . وقمناالاحتفال به في آذار 2001. وبعد شهر واحد فارق كريم الحياة".   

وقد بذل محمد كيشماخوف أثناء توليه المنصب العام الرفيع، جهودا عديدة لضمان أن تؤخذ مصالح الأبازين في الاعتبار عند حل مختلف المسائل في جمهورية قراتشاي-تشيركسيا.

النشاط العلمي  

أنهى محمد كيشماخوف الدراسات العليا في جامعة قراتشاي-تشيركيسيا الحكومية في العام 2004 ودافع عن أطروحته للحصول على درجة الدكتوراه في العلوم التاريخية. ولمدة 15 عاماً مارس النشاط العلمي وكتب أكثر من 70 مقالاً عن السيرة الذاتية لموسوعة الأديغة (الشركس)، وأكثر من 40 مقالاً عن قاموس السيرة الذاتية الأبخازي، ومقالاً عن "عائلات الأبازين" وموسوعة "العائلات الروسية"، كما نشر خمس دراسات و العديد من المقالات في مختلف المجالات العلمية والاجتماعية والسياسية.

وكما ذكرنا سابقا، فقد اختار كيشماخوف تاريخ شعب الأوبيخ كمنحى رئيسي لنشاطه العلمي . 

ويقول محمد كيشماخوف في هذا الصدد: "للكشف عن هذا الموضوع، قمت بزيارة الى تركيا، حيث تحدثت مع أحفاد المهاجرين الأوبيخ".

قالوا لي الكثير من الأمور المثيرة للاهتمام. لقد اكتشفت مستندات هامة أثناء العمل في الأرشيف في أرمينيا وأذربيجان وتركيا وموسكو وروستوف وستافروبول. لقد شكلوا لي قاعدة انطلاق لكتبي "مشاكل التاريخ الاثني والثقافي لدى الأوبيخ" و "المآثر التاريخية وحقوق الأوبيخ" وغيرها من الأعمال ".  

رغم تقاعده، واصل محمد كيشماخوف نشاطه العلمي حتى الآن . على الرغم من أنه كان في السنوات الأخيرة يتمتع بالتواصل مع حفيداته الثلاث من ابنهم ألبرت وابنتهم ألبينا.