تواصل البوابة المعلوماتية للمؤتمر العالمي لشعب الاباظة سرد قصص حياة ممثلي الجالية الأبخازية (الأباظة) التي تعيش في الخارج. هذه القصة تتحدث عن السيد عزيز أباظة (مختسه) من الأردن.

تقرير: ايزولدا خاغبا

ستظل الزيارة التي قام بها وفد المؤتمر العالمي لشعب الاباظة في أغسطس من هذا العام إلى المملكة الأردنية الهاشمية، والأشخاص الذين التقى أعضاء الوفد بهم هناك، والأماكن التي تمكنوا من رؤيتها والاجتماعات واللقاءات المميزة، وحتى الضيافة التي قدمت خلال هذه الاجتماعات الدافئة راسخا في ذاكرة اعضاء الوفد ولن تنسى ابدا. 

في الواقع، فإن التعرف على مواطنينا من بلد آخر، والتعرف على نمط حياتهم وقصص أسرهم وطريقة حياتهم – هو بحد ذاته هدية لا تقدر بثمن.

في اليوم الأول من وصولنا إلى الأردن، التقينا بالسيد عزيز أباظة (مختسه) في مكتب منظمة "ديوان أباظة"، الذي يوحد جميع ممثلي الجالية الأبخازية (الأباظة) في الأردن.  

وفي اليوم الثاني بعد اللقاء، وكما هو متعارف عليه في وطننا المشترك أبخازيا، تمت دعوة الوفد بأكمله إلى منزله، واجلسونا حول طاولة ملأتها الاكلات الشهية اللذيذة الفاخرة، وفي جو عائلي تبادلنا اطراف الحديث مع عائلة عزيز، وكذلك مع رفاقه اعضاء "ديوان أباظة". جميع النقاشات - سواء اكانت نكت اوأفكار جدية - كانت تمس بشكل او باخرأبخازيا. ولما لا، إذا انك لتستطيع ان تقرأ الحنين إلى وطنهم الام في عيون كل فرد لديه الشعور بانه ينتمي الى الاثنية الابخازية، حتى لو لم يتسنى له من قبل رؤية وطنه التاريخي؟

عن أبنائه وبناته

 حدثنا صاحب المنزل المضياف السيد عزيز أباظة عن أسلافه، اذ انتقل جده من القوقاز إلى سوريا، وتزوج هناك، ورزقه الله بابن، وهو عمه الأكبر لعزيز. ثم انتقلت العائلة واستقرت في عمان بالأردن. بعد ذلك بعامين، رزقوا بولدين آخرين - والد عزيز وعمه الثاني.

 لكن في الجيل الذي تبعهم، ولد ولسبب ما، لدى كل هؤلاء الأبناء الذين نشأوا رجالا بنات فقط "فكان لعمه الأكبر ابنة. وكان لعمه الاصغر خمس بنات. اما لدى والدي فكان ابن واحد وخمس بنات.

لقد اصبحت الابن الوحيد في عائلة مختسه، وعملت العائلة كل ما في وسعها لتغيير الوضع، لمنع عائلتنا من الاندثار في الأردن: فقد رزقت بإبنة وأربعة أبناء.

اليوم السيد عزيز ليس أبا سعيدا فحسب، بل هو أيضًا جد لحفيدين وحفيدتين. خدم والده، خير الدين أباظة (مختسه)، بعد إكماله الدراسة المدرسية في القوات الحدودية للجيش البريطاني، ثم انتقل إلى الجيش الأردني، ولحين تقاعده، خدم في الحرس الملكي، حيث كان مسؤولاً عن تقنية المركبات، بما في ذلك حالة السيارات والدراجات النارية للملك الراحل حسين رحمه الله.

ثم انتقل خير الدين أباظة إلى مدينة العقبة الأردنية، حيث كان مسؤولاً عن حالة يخوت الملك. ويتذكر عزيز: "كنت في الرابعة من عمري، - رافقت عائلتي والدي. وهناك ذهبت إلى المدرسة، وبعد إكمال الدراسة، تم إرسالي إلى لندن لمدة عام لدراسة اللغة الإنجليزية".

ثقة الملك

بحلول سن التاسعة عشرة، عاد الشاب إلى عمان، وبدأ بدراسة برمجة الحاسوب، وأصبح مبرمجاً. وبعد التخرج، عمل في المديرية العامة للاستخبارات في الأردن.

فكما يقول عزيز أباظة (مختسه): "بينما كنت أخدم في دائرة المخابرات العامة الملكية (Royal intelligence)، كانت لديَّ الفرصة للعمل في العديد من المهن المختلفة: كنتُ مسؤولاً عن أمن الحاسوب، كهربائي، خبير في الأسلحة الباردة و المتفجرات".

وفي المجموع، خدم لمدة 34 عاماً وحصل مراراً على ميداليات للخدمة الباسلة. الأغلى والأثمن منها بالنسبة له –كانت الميدالية الملكية لاستقلال الأردن، التي سلمها له شخصياً ولي العهد الأردني في التسعينات الأمير الحسن بن طلال.

عندما يدور الحديث عن عمله في المخابرات، السيد عزيز أباظة قليل الكلام، يصمت ويبتسم فقط. ولكن عندما يتحدث عن رفاقه، بالطبع، يصبح الأمر مثيراً للإهتمام، فما هي الصفات التي يحتاجها الشخص، بوصفه ليس أردنيَّ الأصل، ليتم تسليمه هذا المنصب المسؤول في المخابرات الملكية.

ويوضح السيد عزيز: "في الأردن، أولا وقبل كل شيء، نحن شركس (جميع المواطنين من القوقاز في الأردن ينتمون إلى المجتمع الشركسي، بما في ذلك الجالية الأبخازية (الاباظة) – اضافة المحرر). والشركس مقربون جداً من الملك. ويوجد لدى شراكسة الأردن نوع من الوفاء الجيني للعائلة الملكية، وتُقدَّر فينا صفات الشجاعة والإخلاص".    

ويتحدث السيد أباظة بفخر إن مستوى الثقة في الشركس عالية جدا، ويقول: "الملك عبد الله الثاني بن الحسين يرفض تواجد حماية الحرس الملكي داخل المبنى عندما يزور الجمعية الشركسية الخيرية"، ويبقى الحراس في الخارج. هكذا يعبر الملك عن ثقته بالشركس وكيف يقدر ولائهم للعائلة الملكية".

أيام عمل "ديوان الأباظة" 

اليوم، عزيز أباظة (مختسه)، هو أحد كبار السن المتقاعدين-وهو في الوقت نفسه المدير المالي لـ "ديوان أباظة" وعضو نشط الجالية الأبخازية في الأردن. وفي بداية نشأة "ديوان الأباظة" كان الأمين العام للمنظمة. واليوم، يكتب عزيز أيضاً برامج العمل اللازمة، وهو كذلك مسؤول عن أنشطة حصول أبناء الجالية في الأردن على جوازات السفر الأبخازية.

ويروي عزيز أباظة عن الحياة اليومية للمنظمة: "عندما يأتي إلينا الناس للإنضمام إلى المنظمة والحصول على جواز سفر أبخازي، أجري تحقيقاً صغيراً لإثبات جذورهم التاريخية. ربما تجربتي في العمل المخابراتي مفيدة هنا – يقول مازحا".  

وتابع: "نحد بعد ذلك اسم العائلة التاريخي، ونتحقق من قائمة العائلات الأبخازية والأبازينية الموجودة لدينا. وقد تلقينا هذه القائمة من أبخازيا وترجمناها إلى الروسية والعربية. كما أننا ندرس تاريخ الأسرة-من هم أسلافهم ومن أين أتوا، ونحدد الروابط الأسرية".

ويشير إلى أن هناك العديد من الصعوبات نظرا لحقيقة أن بعض الألقاب الشركسية متشابهة باللفظ. وعلاوة على ذلك، عند ترجمتها إلى العربية، قد تحدث بعض التغييرات في تهجئتها.

ويشارك عزيز أباظة: "يحدث أن بعض الذين يُقدمون الطلبات لديهم جذور شابسوغ، أو أوبيخ، أو قباردي. ونحن نأخذ هذا العمل على محمل الجد، ويستغرق الكثير من الوقت".

الجزور التاريخية 

لقد كان عمر عزيز أباظة 20 عاماً عندما علِم من والده أنهم من نسل الأباظة، مما يعني أنه بالإضافة إلى حقيقة أنهم شركس، لديهم جذورهم، ولغتهم.

فقد أمضى عزيز طفولته في مدينة العقبة، حيث لم يكن هناك ممثلون آخرون لجالية لأباظة، ولم تتح له الفرصة للتواصل مع أي شخص، للاستماع للغة. ووفقاً له، يعيش معظم الأبخاز والأباظة في الزرقاء وعمان. وفي عمان، وبمرور الوقت، بدأ يقابل أعضاء آخرين من عائلة الأباظة ممن عرفوا والده في شبابه.

يتذكر عزيز أباظة بألم: "بعد أن بدأت نشاطي في" ديوان الأباظة "، بدأت في استعادة تفاصيل تاريخ جذوري. تعلمت عن الوطن التاريخي، وأدركت أن هناك الكثير منا في الأردن (وفقاً لـ "ديوان أباظة"، هناك أكثر من 4000 من أبناء الجالية الأبخازية يعيشون في عمان. وقد حصل 750 منهم بالفعل على جوازات سفر أبخازية –اضافة المحرر).    

في التسعينات، لم أكن أعرف حتى عن أبخازيا والحرب. ويمكن وصف شعوري بالصدمة، عندما التقيت أول مرة بمن حاربوا من أجل حرية أبخازيا. أدركت أن لدينا وطناً، وتعلمت تاريخ البلاد".

الاستيقاظ في أبخازيا

ويتذكر عزيز أباظة زيارته الأولى لأبخازيا، ويروي كيف أن عدداً من "الذكريات النائمة" إستيقظت في روحه عندما ذهب لأول مرة إلى الكورنيش البحري.

"عند رؤيتي جمال وطني الأم لأول مرة، بدأت أتذكر أسلافي الذين غادروا هذه الجنة واضطروا لبدء حياة جديدة في بلد أجنبي. كان عليهم أن يعانوا كثيراً ويكافحوا، كان عليهم أن يبنوا حياة دون أن يملكوا أيَّ شيئ و لا حتى قطعة أرض خاصة. تختلف الظروف المناخية في الأردن اختلافاً كبيراً عن الظروف التي اعتادوا عليها في أبخازيا. هنا صحراء، والأمطار نادرة، وبدون المطر لا يمكن أن يكون هناك عشب وخضروات أخرى، وهي موجودة بكثرة في أبخازيا. وطننا هو وطنٌ جميل بشكل لا يصدق " يتحدث السيد عزيز مبتسما حول حلمه بالانتقال للعيش في أبخازيا، على الرغم من أنه، ووفقا له، لا يزال هناك الكثير من التحضيرات.

 من المستحيل "التخلي عن كل شيء" ونقل العائلة بأكملها.    

وتابع أباظة "أنا متقاعد، وعائلتي فقط هي من تبقيني. الأطفال والأحفاد يدرسون ويعملون. وفي أبخازيا، سيكون من الصعب عليهم إيجاد عمل دون معرفة اللغة. وبدون عمل من المستحيل أن يقف أبنائي وأحفادي على أقدامهم. تواجدت مع زوجتي لمدة ثلاثة أسابيع في سوخوم، ثم ذهبنا إلى سوتشي، ودون أن نعرف اللغة الروسية، تمكنا من إدارة أمورنا بطريقة أو بأخرى. عندما تحضر للسياحة، هو أمرٌ بسيط، لكن للعمل والدراسة تحتاج لإتقان اللغة. ولذلك، فإن الأسرة ليست مستعدة بعد للتحرك بكامل قوتها".

وهو نفسه يحلم بالعيش في قرية أبخازية، في منزل مع حديقة صغيرة تنمو فيها الفواكه.

 ويعبر السيد عزيز عن قلقه ازاء وطنه قائلا: " في أبخازيا، الطبيعة جميلة و مياهها صافية نظيفة، وهذا ما يفتقر إليه العالم اليوم بشكل كارثي. المصانع والتنقيب عن النفط وغيرها من الصناعات الاخرى سوف تدمر هذا الجمال. والشيء الاهم، هو عدم التلاعب مع الطبيعة وعدم المساس بها ".

وهكذا، يعيش اليوم أحد أشقائنا في الأردن، حالما بالوطن الأم و مهتما بأسرته وباهله وبشعبه - انه عزيز أباظة (مختسه).

ان التواصل معه ومع غيره من ممثلي الجالية الأبخازية (الأباظة) في الأردن، تؤكد لنا حقيقة أن نداء الدم لايمكن أن يحجبه لا الزمان ولا المسافات.